الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***
اعترض في الفتح بأن إدخال أل على الغير غير واقع على وجه الصحة بل هو ملزوم الإضافة ا هـ. لكن قال بعض أئمة النحاة: منع قوم دخول الألف واللام على غير وكل وبعض، وقالوا هذه كما لا تتعرف بالإضافة لا تتعرف بالألف واللام. مطلب في دخول أل على غير وعندي أنها تدخل عليها، فيقال فعل الغير كذا، والكل خير من البعض، وهذا لأن الألف واللام هنا ليست للتعريف ولكنها المعاقبة للإضافة، لأنه قد نص أن غيرا تتعرف بالإضافة في بعض المواضع. ثم إن الغير قد يحمل على الضد والكل على الجملة والبعض على الجزء، فيصلح دخول الألف واللام عليه أيضا من هذا الوجه، يعني أنها تتعرف على طريقة حمل النظير على النظير، فإن الغير نظير الضد والكل نظير الجملة، والبعض نظير الجزء، وحمل النظير على النظير سائغ شائع في لسان العرب كحمل الضد على الضد، كما لا يخفى على من تتبع كلامهم، وقد نص العلامة الزمخشري على وقوع هذين الحملين وشيوعهما في لسانهم في الكشاف أفاده ابن كمال. مطلب في إهداء ثواب الأعمال للغير (قوله بعبادة ما) أي سواء كانت صلاة أو صوما أو صدقة أو قراءة أو ذكرا أو طوافا أو حجا أو عمرة، أو غير ذلك من زيارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء والأولياء والصالحين، وتكفين الموتى، وجميع أنواع البر كما في الهندية ط وقدمنا في الزكاة عن التتارخانية عن المحيط الأفضل لمن يتصدق نفلا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات لأنها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شيء. ا هـ. وفي البحر بحث أن إطلاقهم شامل للفريضة لكن لا يعود الفرض في ذمته لأن عدم الثواب لا يستلزم عدم السقوط عن ذمته ا هـ. على أن الثواب لا ينعدم كما علمت، وسنذكر فيما لو أهل بحج عن أبويه أنه قيل إنه يجزيه عن حج الفرض، وهذا يؤيد ما بحثه في البحر، ويؤيده أيضا قوله في جامع الفتاوى، وقيل لا يجوز في الفرائض. وبحث أيضا أن الظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم يجعل ثوابه لغيره لإطلاق كلامهم. ا هـ. قلت: وإذا قلنا بشموله للفريضة أفاد ذلك لأن الفرض ينويه عن نفسه، فإذا صح جعل ثوابه لغيره دل على أنه لا يلزم في وصول الثواب أن ينوي الغير عند الفعل، وقدمنا في آخر الجنائز قبيل باب الشهيد عن ابن القيم الحنبلي أنه اختلف عندهم في أنه هل يشترط نية الغير عند الفعل؟ فقيل لا لكون الثواب له فله التبرع به لمن أراد، وقيل نعم وهو الأولى لأنه إذا وقع له لم يقبل انتقاله عنه، وقدمنا عنه أيضا أنه لا يشترط في الوصول أن يهديه بلفظه كما لو أعطى فقيرا بنية الزكاة لأن السنة لم تشترط ذلك في حديث الحج عن الغير ونحوه، نعم لو فعله لنفسه ثم نوى جعل ثوابه لغيره لم يكف كما لو نوى أن يهب أو يعتق أو يتصدق، وأنه يصح إهداء نصف الثواب أو ربعه. ويوضحه أنه لو أهدى الكل إلى أربعة يحصل لكل ربعه، وتمامه هناك. مطلب فيمن أخذ في عبادته شيئا من الدنيا [تنبيه] قال في البحر: ولم أر حكم من أخذ شيئا من الدنيا ليجعل شيئا من عبادته للمعطي، وينبغي أن لا يصح ذلك ا هـ. أي لأنه إن كان أخذه على عبادة سابقة يكون ذلك بيعا لها، وذلك باطل قطعا، وإن كان أخذه ليعمل يكون إجارة على الطاعة وهي باطلة أيضا كما نص عليه في المتون والشروح والفتاوى، إلا فيما استثناه المتأخرون من جواز الاستئجار على التعليم والأذان والإمامة وعللوه بالضرورة وخوف ضياع الدين في زماننا لانقطاع ما كان يعطى من بيت المال. وبه علم أنه لا يجوز الاستئجار على الحج عن الميت لعدم الضرورة كما يأتي بيانه في هذا الباب، ولا على التلاوة والذكر لعدم الضرورة أيضا، وتمام الكلام على ذلك في رسالتنا [شفاء العليل وبل الغليل، في بطلان الوصية بالختمات والتهاليل] فافهم (قوله له جعل ثوابها لغيره) أي خلافا للمعتزلة في كل العبادات ولمالك والشافعي في العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة فلا يقولان بوصولها بخلاف غيرها كالصدقة والحج، وليس الخلاف في أن له ذلك أو لا كما هو ظاهر اللفظ، بل في أنه ينجعل بالجعل أو لا بل يلغو جعله، أفاده في الفتح: أي الخلاف في وصول الثواب وعدمه (قوله لغيره) أي من الأحياء والأموات بحر عن البدائع. قلت: وشمل إطلاق الغير النبي صلى الله عليه وسلم ولم أر من صرح بذلك من أئمتنا، وفيه نزاع طويل لغيرهم. والذي رجحه الإمام السبكي وعامة المتأخرين منهم الجواز كما بسطناه آخر الجنائز فراجعه (قوله وإن نواها إلخ) قدمنا الكلام عليه قريبا (قوله لظاهر الأدلة) علة لقوله له جعل ثوابها لغيره وهو من إضافة الصفة للموصوف: أي للأدلة الظاهرة أي الواضحة الجلية، فالظهور بالمعنى اللغوي لا الأصولي، لأن الأدلة فيه متواترة قطعية الدلالة على المراد لا تحتمل التأويل كما تعرفه (قوله أي إلا إذا وهبه) جواب قوله وأما، وأسقط الفاء من جوابها وهو لا يسقط إلا في ضرورة الشعر كقوله فأما القتال لاقتال لديكم كما في المغني. وأجاب عن قوله تعالى: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم} بأن الأصل فيقال لهم أكفرتم، فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف. قال: ورب شيء يصح تبعا ولا يصح استقلالا كالحاج عن غيره يصلي عنه ركعتي الطواف، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لا يصح على الصحيح ا هـ. وكذلك الجواب هنا محذوف مع الفاء استغناء عنه بأي المفسرة له. والتقدير: وأما قوله تعالى فمؤول أي إلا إذا وهبه، على أن الدماميني اختار جواز حذف الفاء في سعة الكلام واستشهد له بالأحاديث والآثار (قوله كما حققه الكمال) حيث قال ما حاصله: أن الآية وإن كانت ظاهرة فيما قاله المعتزلة، لكن يحتمل أنها منسوخة أو مقيدة؛ وقد ثبت ما يوجب المصير إلى ذلك وهو ما صح عنه صلى الله عليه وسلم: «أنه ضحى بكبشين أملحين أحدهما عنه والآخر عن أمته» فقد روي هذا عن عدة من الصحابة وانتشر مخرجوه؛ فلا يبعد أن يكون مشهورا يجوز تقييد الكتاب به بما لم يجعله صاحبه لغيره. وروى الدارقطني: «أن رجلا سأله عليه الصلاة والسلام فقال: كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؛ فقال صلى الله عليه وسلم: إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صومك» وروي أيضا عن علي عنه صلى الله عليه وسلم قال: «من مر على المقابر وقرأ {قل هو الله أحد} إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات» وعن «أنس قال يا رسول الله إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم، فهل يصل ذلك لهم؟ قال نعم، إنه ليصل إليهم، وإنهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه» رواه أبو حفص العكبري. وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اقرءوا على موتاكم يس» رواه أبو داود، فهذا كله ونحوه مما تركناه خوف الإطالة يبلغ القدر المشترك بينه وهو النفع بعمل الغير مبلغ التواتر، وكذا ما في الكتاب العزيز من الأمر بالدعاء للوالدين، ومن الإخبار باستغفار الملائكة للمؤمنين قطعي في حصول النفع، فيخالف ظاهر الآية التي استدلوا بها إذ ظاهرها أن لا ينفع استغفار أحد لأحد بوجه من الوجوه لأنه ليس من سعيه، فقطعنا بانتفاء إرادة ظاهرها فقيدناها بما لم يهبه العامل، وهذا أولى من النسخ لأنه أسهل إذ لم يبطل بعد الإرادة، ولأنها من قبيل الإخبار ولا نسخ في الخبر. ا هـ. (قوله أو اللام بمعنى على) جواب آخر ورده الكمال بأنه بعيد من ظاهر الآية ومن سياقها فإنها وعظ للذي تولى وأعطى قليلا وأكدى. ا هـ. وأيضا فإنها تتكرر مع قوله تعالى: {أن لا تزر وازرة وزر أخرى} وأجيب بأجوبة أخرى ذكرها الزيلعي وغيره. منها: النسخ بآية {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان} وعلمت ما فيه. ومنها: أنها خاصة بقوم موسى وإبراهيم عليهما السلام لأنها حكاية عما في صحفهما. ومنها: أن المراد بالإنسان الكافر. ومنها: أنه ليس من طريق العدل وله من طريق الفضل. ومنها: أنه ليس له إلا سعيه، لكن قد يكون سعيه بمباشرة أسبابه بتكثير الإخوان وتحصيل الإيمان. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» فلا يدل على انقطاع عمل غيره، والكلام فيه. زيلعي. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد» فهو في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب كما في البحر (قوله ولقد أفصح الزاهدي إلخ) حيث قال في المجتبى بعد ذكره عبارة الهداية. قلت: ومذهب أهل العدل والتوحيد أنه ليس له ذلك إلخ فعدل عن الهداية وسمى أهل عقيدته بأهل العدل والتوحيد، لقولهم بوجوب الأصلح على الله تعالى، وأنه لو لم يفعل ذلك لكان جورا منه تعالى ولقولهم بنفي الصفات، وأنه لو كان له صفات قديمة لتعدد القدماء والقديم واحد، وبيان إبطال عقيدتهم الزائغة في كتب الكلام، وقد نقل كلامه في معراج الدراية وتكفل برده؛ وكذلك الشيخ مصطفى الرحمتي في حاشيته فقد أطال وأطاب، وأوضح الخطأ من الصواب (قوله والله الموفق) لا يخفى على ذوي الأفهام ما فيه من حسن الإيهام. مطلب في الفرق بين العبادة والقربة والطاعة (قوله العبادة) قال الإمام اللامشي: العبادة عبارة عن الخضوع والتذلل. وحدها فعل لا يراد به إلا تعظيم الله تعالى بأمره. والقربة: ما يتقرب به إلى الله تعالى فقط أو مع الإحسان للناس كبناء الرباط والمسجد. والطاعة ما يجوز لغير الله تعالى، وهي موافقة الأمر. قال تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ا هـ. ملخصا من ط عن أبي السعود (قوله كزكاة) أي زكاة مال أو نفس كصدقة الفطر أو أرض كالعشر، ودخل في الكاف النفقات، وأشار إلى أن المراد بالمالية ما كان عبادة محضة أو عبادة فيها معنى المؤنة أو مؤنة فيها معنى العبادة كما عرف في الأصول (قوله وكفارة) أي بأنواعها من إعتاق وإطعام وكسوة بحر (قوله تقبل النيابة) الأصل فيه أن المقصود من التكاليف الابتلاء والمشقة، وهي في البدنية بإتعاب النفس والجوارح بالأفعال المخصوصة، وبفعل نائبه لا تتحقق المشقة على نفسه فلم تجز النيابة مطلقا إلا عند العجز وعدم القدرة. وفي المالية بتنقيص المال المحبوب للنفس بإيصاله إلى الفقير، وهو موجود بفعل النائب. والقياس أن لا تجزئ النيابة في الحج لتضمنه المشقتين البدنية والمالية، والأولى لا يكتفى فيها بالنائب، لكنه تعالى رخص في إسقاطه بتحمل المشقة المالية عند العجز المستمر إلى الموت رحمة وفضلا، بأن تدفع نفقة الحج إلى من يحج عنه بحر (قوله لأن العبرة إلخ) علة للتعميم وبيان لوجه إنابة الذمي في العبادة المالية المشروط لها النية بأن الشرط نية الأصل دون النائب (قوله ولو عند دفع الوكيل) دخل في التعميم ما لو نوى الموكل وقت الدفع إلى الوكيل أو وقت دفع الوكيل إلى الفقراء أو فيما بينهما كما في البحر. وبقي ما لو عزلها ونوى بها الزكاة قبل الدفع إلى الوكيل. وعبارة الشارح تشملها والظاهر الجواز كما قالوا فيما لو دفعها في هذه الحالة إلى الفقير بنفسه لوجود النية وقت الدفع حكما. وعليه يمكن دخولها أيضا في قول البحر وقت الدفع إلى الوكيل. وبقي أيضا ما لو نوى بعد دفع الوكيل إلى الفقير وهي في يد الفقير والظاهر الجواز كما قالوا فيما لو دفعها إلى الفقير بنفسه فافهم (قوله وصوم) معنى كونه بدنيا أن فيه ترك أعمال البدن نهر عن الحواشي السعدية، والأولى أن يقال: إن الصوم إمساك عن المفطرات: أي منع النفس عن تناولها، والمنع من أعمال البدن (قوله والمركبة منهما) قال في غاية السروجي وفي المبسوط: جعل المال في الحج شرط الوجوب فلم يكن الحج مركبا من البدن والمال. قلت: وهو أقرب إلى الصواب، ولهذا لا يشترط المال في حق المكي إذا قدر على المشي إلى عرفات. وفي قاضي خان: الحج عبادة بدنية كالصوم والصلاة ا هـ. وكون الحج يشترط له الاستطاعة وهي ملك الزاد والراحلة لا يستلزم أن الحج مركب من المال، لأن الشرط غير المشروط، والشيء لا يتركب من شرطه؛ كما أن صحة الصلاة يشترط لها ستر العورة والماء للطهارة وهما بالمال، ولم يقل أحد بأنها مركبة من المال ا هـ. كذا ذكره بعض المحشين وقدمنا جوابه في أول الحج (قوله كحج الفرض) أطلقه فشمل الحجة المنذورة كما في البحر، وقيد به نظر الشرط دوام العجز إلى الموت لأن الحج النفل يقبل النيابة من غير اشتراط عجز فضلا عن دوامه كما ستأتي ح ومن هذا القسم الجهاد لا من قسم البدنية فقط كما توهم، بل هو أولى من الحج، إذ لا بد له من آلة الحرب؛ أما الحج فقد يكون بلا مال كحج المكي، وتمام تحقيقه في شرح ابن كمال (قوله لأنه فرض العمر) تعليل لاشتراط دوام العجز إلى الموت أي فيعتبر فيه عجز مستوعب لبقية العمر ليقع به اليأس عن الأداء بالبدن ابن كمال عن الكافي فافهم. [تنبيه] محل وجوب الإحجاج على العاجز إذا قدر عليه ثم عجز بعد ذلك عند الإمام. وعندهما يجب الإحجاج عليه إن كان له مال، ولا يشترط أن يجب عليه وهو صحيح زيلعي. والحاصل أن من قدر على الحج وهو صحيح ثم عجز لزمه الإحجاج اتفاقا، أما من لم يملك مالا حتى عجز عن الأداء بنفسه فهو على الخلاف، وأصله أن صحة البدن شرط للوجوب عنده، ولوجوب الأداء عندهما وقدمنا أول الحج اختلاف التصحيح وأن قول الإمام هو المذهب (قوله حتى تلزم الإعادة بزوال العذر) أي العذر الذي يرجى زواله كالحبس والمرض، بخلاف نحو العمى فلا إعادة لو زال على ما يأتي (قوله وبشرط نية الحج عنه) كان ينبغي للمصنف ذكر هذا عند قوله بعده وبشرط الأمر، لأن ما بينهما من تمام الشرط الأول (قوله ولو نسي اسمه إلخ) ولو أحرم مبهما: أي بأن أحرم بحجة وأطلق النية عن ذكر المحجوج عنه، فله أن يعينه من نفسه أو غيره قبل الشروع في الأفعال كما في اللباب وشرحه. وقال في الشرح بعد أن نقل عن الكافي أنه لا نص فيه، وينبغي أن يصح التعيين إجماعا: لا يخفى أن محل الإجماع إذا لم يكن عليه حجة الإسلام وإلا فلا يجوز له أن يعين غيره، بل ولو عين غيره لوقع عنه عند الشافعي (قوله كالحبس والمرض) أشار إلى أنه لا فرق بين كون العذر سماويا أو بصنع العباد. وفي البحر عن التجنيس: وإن أحج لعدو بينه وبين مكة، إن أقام العدو على الطريق حتى مات أجزأه وإلا فلا. ا هـ. ومن العجز الذي يرجى زواله عدم وجود المرأة محرما فتقعد إلى أن تبلغ وقتا تعجز عن الحج فيه: أي لكبر أو عمى أو زمانة، فحينئذ تبعث من يحج عنها، أما لو بعثت قبل ذلك لا يجوز لتوهم وجود المحرم إلا إن دام عدم المحرم إلى أن ماتت، فيجوز كالمريض إذا أحج رجلا ودام المرض إلى أن مات كما في البحر وغيره (قوله فلا إعادة مطلقا إلخ) ظاهر إطلاق المتون اشتراط العجز الدائم أنه لا فرق بين ما يرجى زواله وغيره في لزوم الإعادة بعد زواله، وعليه مشى في الفتح. قال في البحر: وليس بصحيح بل الحق التفصيل كما صرح به في المحيط والخانية والمعراج ا هـ. وأقره في النهر، وتبعه المصنف، وحققه في الشرنبلالية، ونقل التصريح به عن كافي النسفي (قوله ثم عجز) أي بعد فراغ النائب عن الحج، بأن كان وقت الوقوف صحيحا، أما لو عجز قبل فراغ النائب واستمر أجزأه، وقوله لم يجزه أي عن الفرض وإن وقع نفلا للآمر، أفاده في البحر. قال الحموي: ومن هنا يؤخذ عدم صحة ما يفعله السلاطين والوزراء من الإحجاج عنهم لأن عجزهم لم يكن مستمرا إلى الموت ا هـ. أو لعدم عجزهم أصلا، والمراد عدم صحته عن الفرض بل يقع نفلا ط. قلت: لكن قدمنا عن شرح اللباب عن شمس الإسلام أن السلطان ومن بمعناه من الأمراء ملحق بالمحبوس، فيجب الإحجاج في ماله الخالي عن حقوق العباد ا هـ. أي إذا تحقق عجزه بما ذكر ودام إلى الموت (قوله وبشرط الأمر به) صرح بهذا الشرط في البحر عن البدائع وفي اللباب (قوله فلا يجوز) أي لا يقع مجزئا عن حجة الأصل بل يقع عن النائب، فله جعل ثوابه للأصل، وسيأتي توضيح ذلك (قوله إلا إذا حج أو أحج الوارث) أي فيجزئه إن شاء الله تعالى كما في البدائع واللباب، وهذا إذا لم يوص المورث، أما لو أوصى بالإحجاج عنه فلا يجزيه تبرع غيره عنه كما يأتي في المتن. ثم اعلم أن التقييد بالوارث يفهم منه أن الأجنبي يخالفه وإلا لزم إلغاء هذا الشرط من أصله، والعجب أنه في اللباب ذكر هذا الشرط وعمم شارحه الوارث وغيره من أهل التبرع. وعبارة اللباب وشرحه هكذا (الرابع الأمر) أي بالحج (فلا يجوز حج غيره بغير أمره إن أوصى به) أي بالحج عنه فإنه إن أوصى بأن يحج عنه فتطوع عنه أجنبي أو وارث لم يجز (وإن لم يوص به) أي بالإحجاج (فتبرع عنه الوارث) وكذا من هم أهل التبرع (فحج) أي الوارث ونحوه (بنفسه) أي عنه (أو أحج عنه غيره جاز) والمعنى جاز عن حجة الإسلام إن شاء الله تعالى كما قاله في الكبير. وحاصله أن ما سبق يحكم بجوازه ألبتة، وهذا مقيد بالمشيئة. ففي مناسك السروجي: لو مات رجل بعد وجوب الحج ولم يوص به فحج رجل عنه أو حج عن أبيه أو أمه عن حجة الإسلام من غير وصية قال أبو حنيفة: يجزيه إن شاء الله، وبعد الوصية يجزيه من غير المشيئة ا هـ. ثم أعاد في شرح اللباب المسألة في محل آخر وقال: فلو حج عنه الوارث أو أجنبي يجزيه وتسقط عنه حجة الإسلام إن شاء الله تعالى لأنه إيصال للثواب، وهو لا يختص بأحد من قريب أو بعيد على ما صرح به الكرماني والسروجي ا هـ. وسيأتي تمامه. فالظاهر أن في هذا الشرط اختلاف الرواية، وذكر الوارث غير قيد على الرواية الأخرى (قوله لوجود الأمر دلالة) لأن الوارث خليفة المورث في ماله فكأنه صار مأمورا بأداء ما عليه؛ أو لأن الميت يأذن بذلك لكل أحد، بناء على ما قلنا من أن الوارث غير قيد، وعلل في البدائع بالنص أيضا. والظاهر أنه أراد به حديث الخثعمية (قوله النفقة من مال الآمر إلخ) أي المحجوج عنه، ومحترزه قوله الآتي: ولو أنفق من مال نفسه إلخ ويأتي بيانه (قوله وحج المأمور بنفسه) فليس له إحجاج غيره عن الميت وإن مرض ما لم يأذن له بذلك كما يأتي متنا (قوله وتعينه إن عينه) هذا يغني عن الشرط الذي قبله تأمل؛ والمراد بتعيينه منع حج غيره عنه (قوله لم يجز حج غيره) أي وإن مات فلان المذكور لأن الموصي صرح بمنع حج غيره عنه كما أفاده في اللباب وشرحه (قوله ولو لم يقل لا غيره) جاز قال في اللباب: وإن لم يصرح بالمنع بأن قال يحج عني فلان فمات فلان وأحجوا عنه غيره جاز. مطلب شروط الحج عن الغير عشرون (قوله وأوصلها في اللباب إلى عشرين شرطا) تقدم منها ستة، وذكر الشارح السابع بعد ذلك. والثامن وجوب الحج، فلو أحج الفقير أو غيره ممن لم يجب عليه الحج عن الفرض لم يجز حج غيره عنه وإن وجب بعد ذلك. التاسع وجود العذر قبل الإحجاج، فلو أحج صحيح ثم عجز لا يجزيه. العاشر أن يحج راكبا، فلو حج ماشيا ولو بأمره ضمن النفقة، والمعتبر ركوب أكثر الطريق إلا إن ضاقت النفقة فحج ماشيا جاز. الحادي عشر أن يحج عنه من وطنه إن اتسع الثلث وإلا فمن حيث يبلغ كما سيأتي بيانه. الثاني عشر أن يحرم من الميقات، فلو اعتمر وقد أمره بالحج ثم حج من مكة لا يجوز ويضمن. وبحث فيه شارحه بما حاصله أنه غير ظاهر، ويتوقف على نقل صريح. قلت: قدمنا الكلام عليه مستوفى قبيل باب الإحرام فراجعه. الثالث عشر أن لا يفسد حجه، فلو أفسده لم يقع عن الآمر وإن قضاه وسيأتي بيانه. الرابع عشر عدم المخالفة، فلو أمره بالإفراد فقرن أو تمتع ولو للميت لم يقع عنه ويضمن النفقة كما سيأتي، ولو أمره بالعمرة فاعتمر ثم حج عن نفسه أو بالحج فحج ثم اعتمر عن نفسه جاز إلا أن نفقة إقامته للحج أو العمرة عن نفسه في ماله، وإذا فرغ عادت في مال الميت، وإن عكس لم يجز الخامس عشر: أن يحرم بحجة واحدة، فلو أهل بحجة عن الآمر ثم بأخرى عن نفسه لم يجز إلا إن رفض الثانية. السادس عشر: أن يفرد الإهلال لواحد لو أمره رجلان بالحج، فلو أهل عنهما ضمن وسيأتي تمام الكلام عليه. السابع عشر والثامن عشر: إسلام الآمر والمأمور وعقلهما كما سيأتي، فلا يصح من المسلم للكافر ولا من المجنون لغيره ولا عكسه، لكن لو وجب الحج على المجنون قبل طرو جنونه صح الإحجاج عنه. التاسع عشر: تمييز المأمور، فلا يصح إحجاج صبي غير مميز ويصح إحجاج المراهق كما سيأتي. العشرون: عدم الفوات وسيأتي الكلام عليه. قال في اللباب: وهذه الشرائط كلها في الحج الفرض، وأما النفل فلا يشترط فيه شيء منها: إلا الإسلام والعقل والتمييز، وكذا الاستئجار، ولم نجده صريحا في النفل وجزم به شارحه، لكن هذا مبني على أن الحج لا يقع عن الميت، وفيه ما نذكره بعيده. مطلب في الاستئجار على الحج (قوله لم يجز حجه عنه) كذا في اللباب، لكن قال شارحه: وفي الكفاية: يقع الحج عن المحجوج عنه في رواية الأصل عن أبي حنيفة ا هـ. وبه كان يقول شمس الأئمة السرخسي وهو المذهب. ا هـ. وصرح في الخانية بأن ظاهر الرواية الجواز، لكنه قال أيضا: وللأجير أجر مثله. واستشكله في [فتح القدير] بما قالوا من أن ما ينفقه المأمور إنما هو على حكم ملك الميت لأنه لو كان ملكه لكان بالاستئجار، ولا يجوز الاستئجار على الطاعات، فالعبارة المحررة ما في كافي الحاكم: وله نفقة مثله. وزاد إيضاحها في المبسوط فقال: هذه النفقة ليس يستحقها بطريق العوض بل بطريق الكفاية لأنه فرغ نفسه لعمل ينتفع به المستأجر. هذا، وإنما جاز الحج عنه لأنه لما بطلت الإجارة بقي الأمر بالحج فتكون له نفقة مثله. ا هـ. قلت: وعبارة كافي الحاكم. على ما نقله الرحمتي: رجل استأجر رجلا ليحج عنه قال: لا تجوز الإجارة، وله نفقة مثله. وتجوز حجة الإسلام عن المسجون إذا مات فيه قبل أن يخرج. ا هـ. ومثله ما في البحر عن الإسبيجابي: لا يجوز الاستئجار على الحج، فلو دفع إليه الأجر فحج يجوز عن الميت وله من الأجر مقدار نفقة الطريق ويرد الفضل على الورثة إلا إذا تبرع به الورثة أو أوصى الميت بأن الفضل للحاج ا هـ. ملخصا. والحاصل أن قول الشارح لم يجز حجه عنه خلاف ظاهر الرواية، وأن قول الخانية له أجر مثله يشعر بأن الإجارة فاسدة مع أنها باطلة كالاستئجار على بقية الطاعات. وأجاب بعضهم بأن المراد من أجر المثل نفقة المثل كما عبر في الكافي، وإنما سماها أجرا مجازا، وهذا أحسن مما قيل إنه مبني على مذهب المتأخرين القائلين بجواز الاستئجار على الطاعات، لما علمته مما قدمناه أول الباب من أن المتأخرين لم يطلقوا ذلك، بل أفتوا بجواز الاستئجار على التعليم والأذان والإمامة للضرورة لا على جميع الطاعات كما أوضحه المصنف في منحه في كتاب الإجارات، وإلا لزم الجواز على الصوم والصلاة ولا يقول به أحد، ولا ضرورة للاستئجار على الحج لإمكان دفع المال إليه لينفق على نفسه على حكم ملك الميت بطريق النيابة كما علمت التصريح به عن المبسوط، والمتون المصرح فيها بجواز الاستئجار على التعليم ونحوه لم يذكر فيها جوازه على الحج، بل المصرح به في عامة متون المذهب أنه لا يجوز الاستئجار على الحج كالكنز والوقاية والمجمع والمختار ومواهب الرحمن وغيرها، بل قال العلامة الشرنبلالي في رسالته [بلوغ الإرب] إنه لم يذكر أحد من مشايخنا جواز الاستئجار على الحج. ا هـ. قلت: ولو قيل بجوازه لزم عليه هدم فروع كثيرة: منها ما مر من أن المأمور ينفق على حكم ملك الميت وأنه يجب عليه رد الفضل، واشتراط الإنفاق بقدر مال الآمر أو أكثره، وأن الوصي لو دفع المال لوارث ليحج به لا يجوز إلا بإجازة الورثة وهم كبار لأنه كالتبرع بالمال، فلا يجوز للوارث بلا إجازة الباقين كما في الفتح، ولو كان بطريق الاستئجار لم يصح شيء من هذه الفروع كما أوضحناه في رسالتنا [شفاء العليل] فافهم. (قوله ولو أنفق من مال نفسه إلخ) قال في الفتح: فإن أنفق الأكثر أو الكل من مال نفسه وفي المال المدفوع إليه وفاء بحجه رجع به فيه، إذ قد يبتلى بالإنفاق من مال نفسه لبغتة الحاجة ولا يكون المال حاضرا فجوز ذلك كالوصي والوكيل يشتري لليتيم والموكل، ويعطي الثمن من مال نفسه ويرجع به في مال اليتيم والموكل ا هـ. قال في البحر: وبهذا علم أن اشتراطهم أن تكون النفقة من مال الآمر للاحتراز عن التبرع لا مطلقا. ا هـ. وقال في الخانية: إذا خلط المأمور بالحج النفقة بمال نفسه قال في الكتاب يضمن، فإن حج وأنفق جاز وبرئ عن الضمان. ا هـ. إذا عرفت هذا فقوله وأنفق كله أو أكثره الضميران لمال الآمر، وفيه مضاف مقدر أي مقدار كله أو مقدار أكثره، وهذا يرجع إلى المسألتين. والمعنى ولو أنفق المأمور بالحج من مال نفسه وحج وأنفق مقدار كل مال الآمر المدفوع إليه أو مقدار أكثره جاز، وكذا إذا خلط النفقة بماله وحج وأنفق إلخ أفاده ح وقوله وبرئ من الضمان أي الحاصل بسبب الخلط على ما علمته، وهذا لو بلا إذن الآمر بل نقل السائحاني عن الذخيرة له الخلط بدراهم الرفقة أمر به أو لا للعرف. [تنبيه] سنذكر أنه لو أوصى أن يحج عنه بألف من ماله فأحج الوصي من مال نفسه ليرجع ليس له ذلك لأن الوصية باللفظ فيعتبر لفظ الموصي وهو أضاف المال إلى نفسه فلا يبدل ا هـ. بحر. قلت: وعلى هذا إذا أضاف المال إلى نفسه فليس للمأمور أن يبدله بماله كالوصي إلا أن يفرق بينهما بأن المأمور قد يضطر إلى ذلك على ما مر فليتأمل (قوله وشرط العجز إلخ) قد علمت مما قدمناه عن اللباب أن الشروط كلها شروط للحج الفرض دون النفل، فلا يشترط في النفل شيء منها إلا الإسلام والعقل والتمييز، وكذا عدم الاستئجار على ما مر بيانه (قوله لاتساع بابه) أي أنه يتسامح في النفل ما لا يتسامح في الفرض. قال في الفتح: أما الحج النفل فلا يشترط فيه العجز لأنه لم يجب عليه واحدة من المشقتين أي مشقة البدن ومشقة المال، فإذا كان له تركهما كان له أن يتحمل إحداهما تقربا إلى ربه عز وجل، فله الاستنابة فيه صحيحا. ا هـ. (قوله على الظاهر من المذهب) كذا في المبسوط، وهو الصحيح كما في كثير من الكتب بحر، ويشهد بذلك الآثار من السنة وبعض الفروع من المذهب فتح (قوله وقيل عن المأمور نفلا إلخ) ذهب إليه عامة المتأخرين كما في الكشف، قالوا: وهو رواية عن محمد، وهو اختلاف لا ثمرة له لأنهم اتفقوا أن الفرض يسقط عن الآمر لا عن المأمور، وأنه لا بد أن ينويه عن الآمر، وتمامه في البحر. قلت: وعلى القول بوقوعه عن الآمر لا يخلو المأمور من الثواب، بل ذكر العلامة نوح عن مناسك القاضي حج الإنسان عن غيره أفضل من حجه عن نفسه بعد أن أدى فرض الحج لأن نفعه متعد، وهو أفضل من القاصر ا هـ. تأمل (قوله كالنفل) مقتضاه أن النفل يقع عن المأمور اتفاقا، وللآمر ثواب النفقة، وبه صرح بعض الشراح ومشى عليه في اللباب. ورده الأتقاني في غاية البيان بأنه خلاف الرواية لما قاله الحاكم الشهيد في الكافي: الحج التطوع عن الصحيح جائز، ثم قال: وفي الأصل يكون الحج عن المحج ا هـ. (قوله لكنه يشترط إلخ) استدراك على قوله يقع عن الآمر، فإن مقتضاه صحته ولو من غير الأهل ط أي كما تصح إنابة ذمي في دفع الزكاة (قوله لصحة الأفعال) عبر بالصحة دون الوجوب ليعم المراهق فإنه أهل للصحة دون الوجوب ط (قوله ثم فرع عليه) أي على أن الشرط هو الأهلية دون اشتراط أن يكون المأمور قد حج عن نفسه ودون اشتراط الذكورة والحرية والبلوغ (قوله بمهملة) أي بصاد مهملة وبتخفيف الراء. مطلب في حج الصرورة (قوله من لم يحج) كذا في القاموس. وفي الفتح: والصرورة يراد به الذي لم يحج عن نفسه. ا هـ. أي حجة الإسلام، لأن هذا الذي فيه خلاف الشافعي، فهو أعم من المعنى اللغوي، فكان ينبغي للشارح ذكره لأنه يشمل من لم يحج أصلا ومن حج عن غيره أو عن نفسه نفلا أو نذرا أو فرضا فاسدا أو صحيحا ثم ارتد ثم أسلم بعده كما أفاده ح (قوله وغيرهم أولى لعدم الخلاف) أي خلاف الشافعي فإنه لا يجوز حجهم كما في الزيلعي ح. ولا يخفى أن التعليل يفيد أن الكراهة تنزيهية لأن مراعاة الخلاف مستحبة فافهم. وعلل في الفتح الكراهة في المرأة بما في المبسوط من أن حجها أنقص؛ إذ لا رمل عليها، ولا سعي في بطن الوادي، ولا رفع صوت بالتلبية، ولا حلق. وفي العبد بما في البدائع من أنه ليس أهلا لأداء الفرض عن نفسه؛ وأطلق في صحة إحجاج العبد، فشمل ما إذا كان بإذن مولاه أو بغير إذنه كما صرح به في المعراج فافهم. وقال في الفتح أيضا والأفضل أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام خروجا عن الخلاف، ثم قال: والأفضل إحجاج الحر العالم بالمناسك الذي حج عن نفسه وذكر في البدائع كراهة إحجاج الصرورة لأنه تارك فرض الحج. ثم قال في الفتح بعد ما أطال في الاستدلال: والذي يقتضيه النظر أن حج الصرورة عن غيره إن كان بعد تحقق الوجوب عليه بملك الزاد والراحلة والصحة فهو مكروه كراهة تحريم لأنه يتضيق عليه في أول سني الإمكان فيأثم بتركه، وكذا لو تنفل لنفسه ومع ذلك يصح لأن النهي ليس لعين الحج المفعول بل لغيره وهو الفوات، إذ الموت في سنة غير نادر. ا هـ. قال في البحر: والحق أنها تنزيهية على الآمر لقولهم والأفضل إلخ تحريمية على الصرورة المأمور الذي اجتمعت فيه شروط الحج ولم يحج عن نفسه لأنه أثم بالتأخير ا هـ. قلت: وهذا لا ينافي كلام الفتح لأنه في المأمور، ويحمل كلام الشارح على الآمر، فيوافق ما في البحر من أن الكراهة في حقه تنزيهية وإن كانت في حق المأمور تحريمية. [تنبيه] قال في نهج النجاة لابن حمزة النقيب بعد ما ذكر كلام البحر المار: أقول: وظاهره يفيد أن الصرورة الفقير لا يجب عليه الحج بدخول مكة، وظاهر كلام البدائع بإطلاقه الكراهة أي في قوله: يكره إحجاج الصرورة لأنه تارك فرض الحج يفيد أنه يصير بدخول مكة قادرا على الحج عن نفسه وإن كان وقته مشغولا بالحج عن الآمر وهي واقعة الفتوى فليتأمل ا هـ. قلت: وقد أفتى بالوجوب مفتي دار السلطنة العلامة أبو السعود، وتبعه في سكب الأنهر، وكذا أفتى السيد أحمد بادشاه، وألف فيه رسالة. وأفتى سيدي عبد الغني النابلسي بخلافه وألف فيه رسالة لأنه في هذا العام لا يمكنه الحج عن نفسه لأن سفره بمال الآمر فيحرم عن الآمر ويحج عنه، وفي تكليفه بالإقامة بمكة إلى قابل ليحج عن نفسه ويترك عياله ببلده حرج عظيم، وكذا في تكليفه بالعود وهو فقير حرج عظيم أيضا. وأما ما في البدائع فإطلاقه الكراهة المنصرفة إلى التحريم يقتضي أن كلامه في الصرورة الذي تحقق الوجوب عليه من قابل كما يفيده ما مر عن الفتح، نعم قدمنا أول الحج عن اللباب وشرحه أن الفقير الآفاقي إذا وصل إلى ميقات فهو كالمكي في أنه إن قدر على المشي لزمه الحج ولا ينوي النفل على زعم أنه فقير لأنه ما كان واجبا عليه وهو آفاقي، فلما صار كالمكي وجب عليه؛ حتى لو نواه نفلا لزمه الحج ثانيا ا هـ. لكن هذا لا يدل على أن الصرورة الفقير كذلك لأن قدرته بقدرة غيره كما قلنا وهي غير معتبرة، بخلاف ما لو خرج ليحج عن نفسه وهو فقير فإنه عند وصوله إلى الميقات صار قادرا بقدرة نفسه فيجب عليه وإن كان سفره تطوعا ابتداء، ولو كان الصرورة الفقير مثله لما صح تقييد ابن الهمام كراهة التحريم بما إذا كان حجه عن الغير بعد تحقق الوجوب عليه وتعليله للكراهة بأنه تضيق الوجوب عليه فليتأمل (قوله لا يصح) أي لعدم الأهلية المذكورة (قوله وإذا مرض) أي عرض له مانع من ذهابه كمرض وحبس وشمل ما لو عينه الآمر أو لا (قوله عن الميت) أي عن المحجوج عنه حيا أو ميتا (قوله إلا إذا أذن له) بالبناء للمجهول ليناسب ما بعده، ويشمل ما لو أذن له الميت أو وصيه ولم يكن عينه الميت بمنع إحجاج غيره كما مر (قوله خرج المكلف إلخ) أما إذا لم يخرج وأوصى بأن يحج عنه وأطلق: أي لم يعين مالا ولا مكانا فإنه يحج عنه من ثلث ماله من بلده إن بلغ الثلث لأن الواجب عليه الحج من بلده الذي يسكنه وإلا فمن حيث يبلغ، وإن لم يمكن من مكان بطلت الوصية كما في اللباب. قال شارحه: ولعل المكان مقيد بما قبل المواقيت وإلا فبأدنى شيء يمكن أن يحج عنه من مكة، وكذا الحكم إذا أوصى أن يحج عنه بمال وسمى مبلغه فإنه إن كان يبلغ من بلده فمنها وإلا فمن حيث يبلغ. ا هـ. واحترز بالمكلف عن غيره كالصبي والمجنون فإن وصيته لا تعتبر. واحترز بقوله إلى الحج عما لو خرج للتجارة ونحوها وأوصى فإنه يحج عنه من وطنه إجماعا كما في المعراج وغيره، وقيد بخروجه بنفسه لأنه لو أمر غيره ومات المأمور في الطريق فسيذكر تفصيله بعد (قوله ومات في الطريق) أراد به موته قبل الوقوف بعرفة ولو كان بمكة بحر. وفي التجنيس: إذا مات بعد الوقوف بعرفة أجزأ عن الميت لأن الحج عرفة بالنص وقدمنا عند الكلام على فرض الحج أن الحاج عن نفسه إذا أوصى بإتمام الحج تجب بدنة (قوله إنما تجب الوصية به إلخ) كذا في التجنيس. قال الكمال: وهو قيد حسن شرنبلالية (قوله فالأمر عليه) أي الشأن مبني على ما فسره أي عينه، فإن فسر المال يحج عنه من حيث يبلغ، وإن فسر المكان يحج عنه منه ح. قلت: والظاهر أنه يجب عليه أن يوصي بما يبلغ من بلده إن كان في الثلث سعة، فلو أوصى بما دون ذلك أو عين مكانا دون بلده يأثم لما علمت أن الواجب عليه الحج من بلد يسكنه (قوله من بلده) فلو كان له أوطان فمن أقربها إلى مكة، وإن لم يكن له وطن فمن حيث مات؛ ولو أوصى خراساني بمكة أو مكي بالري يحج عنهما من وطنهما، ولو أوصى المكي أي الذي مات بالري أن يقرن عنه من الري لباب: أي لأنه لا قران لمن بمكة. مطلب العمل على القياس دون الاستحسان هنا (قوله قياسا لا استحسانا) الأول قول الإمام والثاني قولهما، وأخر دليله في الهداية فيحتمل أنه مختار له، لأن المأخوذ به في عامة الصور الاستحسان عناية، وقواه في المعراج، لكن المتون على الأول، وذكر تصحيحه العلامة قاسم في كتاب الوصايا فهو مما قدم فيه القياس على الاستحسان، وإليه أشار بقوله فليحفظ (قوله فلو أحج الوصي عنه من غيره) أي من غير بلده فيما إذا وجب الإحجاج من بلده لم يصح ويضمن ويكون الحج له ويحج عن الميت ثانيا لأنه خالف إلا أن يكون ذلك المكان قريبا من بلده بحيث يبلغ إليه ويرجع إلى الوطن قبل الليل كما في اللباب والبحر (قوله ثلثه) أي ثلث مال الموصي، فإن بلغ الثلث الإحجاج راكبا فأحج ماشيا لم يجز، وإن لم يبلغ إلا ماشيا من بلده قال محمد يحج عنه من حيث بلغ راكبا. وعن الإمام أنه يخير بينهما. وأما إن كان الثلث يكفي لأكثر من حجة، فإن عين الميت حجة واحدة فالفاضل للورثة، وإن أطلق أحج عنه في كل سنة حجة واحدة أو أحج في سنة حججا وهو الأفضل تعجيلا لتنفيذ الوصية لأنه ربما يهلك المال، وإن عين الميت في كل سنة حجة فهو كالإطلاق؛ كما لو أمر الوصي رجلا بالحج السنة فأخره إلي القابلة جاز عن الميت ولا يضمن، لأن ذكر السنة للاستعجال لا للتقييد بحر. قلت: ومثل الثلث ما لو قال أحجوا عني بألف والألف يبلغ حججا كما في اللباب وشرحه (قوله وإن لم يف فمن حيث يبلغ) لكن لو أحج عنه من حيث يبلغ وفضل من الثلث وتبين أنه يبلغ من موضع أبعد منه يضمن الوصي ويحج عن الميت من حيث يبلغ إلا أن يكون الفاضل شيئا يسيرا من زاد أو كسوة فلا يضمن شرح اللباب، ونقله في الفتح عن البدائع (قوله ووارثه) الأولى العطف بأو كما فعل في اللباب لأنه لو كان وصي فلا كلام للوارث في الوصية، نعم لو كان الميت هو الذي دفع للمأمور ثم مات كان للوارث استرداد ما في يد المأمور وإن أحرم كما سيأتي في الفروع: أي ولو مع وجود الوصي لأن الباقي صار ميراثا لكون الميت لم يوص به (قوله ما لم يحرم) فلو أحرم ليس له الاسترداد، والمحرم يمضي في إحرامه وبعد فراغه من الحج ليس له استرداده حتى يرجع إلى أهله، وإن أحرم حين أراد الأخذ فله أن يأخذه ويكون إحرامه تطوعا عن الميت شرح اللباب عن خزانة الأكمل (قوله وإلا) يعني بأن رده لعلة غير الخيانة كضعف رأي فيه أو جهل بالمناسك، أما لو بلا علة أصلا فالنفقة في مال الدافع. قال في البحر: إن استرد بخيانة ظهرت منه: أي من المأمور فالنفقة في ماله خاصة، وإن استرد لا بخيانة ولا تهمة فالنفقة على الوصي في ماله خاصة، وإن استرد لضعف رأي فيه أو لجهله بأمور المناسك فأراد الدفع إلى أصلح منه فنفقته في مال الميت لأنه استرد لمنفعة الميت ا هـ. أفاده ح (قوله أوصى بحج إلخ) قيد بالوصية لأنه لو كان لم يوص فتبرع عنه الوارث بالحج أو الإحجاج يصح كما قدمه المصنف: أي يصح عن الميت عن حجة الإسلام إن شاء الله تعالى كما قدمناه. ونقل ط عن الولوالجية أن التعليق بالمشيئة على القبول لا على الجواز، وقدمنا أيضا عن شرح اللباب أن الوارث غير قيد، فإذا لم يوص يجزئه تبرع الوارث والأجنبي عنه وسيأتي تمام الكلام عليه (قوله فتطوع عنه رجل) أطلق الرجل المتطوع فشمل الوارث، وبه صرح قاضي خان بقوله الميت إذا أوصى بأن يحج عنه بماله فتبرع عنه الوارث أو الأجنبي لا يجوز. ا هـ. قلت: يعني لا يجوز عن فرض الميت وإلا فله ثواب ذلك الحج ح عن الشرنبلالية، ولهذا قال المصنف لم يجزه من الإجزاء، لكن سيأتي ما يدل على أن الثواب إنما يحصل للميت إذا جعله له الحاج بعد الأداء (قوله وإن أمره الميت) أي أن الميت إذا أوصى بالإحجاج عنه وأمر أن يحج عنه زيد فحج عنه زيد من مال نفسه لم يجز عن الميت للعلة المذكورة فافهم (قوله لكن لو حج عنه ابنه) أي مثلا وإلا فكذا حكم بقية الورثة شرح اللباب: قلت: بل الوصي كذلك كما يفيده ما يأتي قريبا عن عمدة الفتاوى. ثم إن هذا استدراك على إطلاق الرجل في قوله فتطوع عنه رجل بأن الوارث أو الوصي يخالف الأجنبي في أنه لو تطوع من وجه بأن أنفق من ماله ليرجع في التركة جاز؛ بخلاف الأجنبي لأن الوارث خليفة عن الميت، ولذا لو قضى الدين من مال نفسه ليرجع جاز، قال في البحر: ولو حج على أن لا يرجع فإنه لا يجوز عن الميت لأنه لم يحصل مقصود الميت وهو ثواب الإنفاق. ا هـ. قلت: وقدمنا أن الوارث ليس له الحج بمال الميت إلا أن تجيز الورثة وهم كبار، لأن هذا مثل التبرع بالمال فالظاهر تقييد حج الوارث هنا بذلك أيضا تأمل (قوله إن لم يقل من مالي) في البحر عن آخر عمدة الفتاوى للصدر الشهيد: لو أوصى بأن يحج عنه بألف من ماله فأحج الوصي من مال نفسه ليرجع ليس له ذلك لأن الوصية باللفظ فيعتبر لفظ الموصي وهو أضاف المال إلى نفسه فلا يبدل. ا هـ. (قوله وكذا لو أحج لا ليرجع) أي أنه يجوز. واستفيد منه أنه لو أحج ليرجع أنه يجوز بالأولى، وقد نص عليهما في الخانية حيث قال: إذا أوصى الرجل بأن يحج عنه فأحج الوارث رجلا من مال نفسه ليرجع في مال الميت جاز، وله أن يرجع في مال الميت، وكذا الزكاة والكفارة، ولو فعل ذلك الأجنبي لا يرجع؛ ولو أوصى بأن يحج عنه فأحج الوارث من مال نفسه لا ليرجع عليه جاز للميت عن حجة الإسلام. ا هـ. قال في شرح اللباب بعد نقله: وفيه بحث لا يخفى ا هـ. أي لما مر من أنه يشترط في الحج عن الغير إذا كان بوصية الإنفاق من مال المحجوج عنه احترازا عن التبرع كما مر بيانه فتجويزه فيما لو أحج من ماله لا ليرجع مخالف لذلك. ولذا لم يجز فيما لو حج الوارث بنفسه لا ليرجع، ولا يظهر فرق بينهما لما علمت من أن مقصود الميت بالوصية ثواب الإنفاق من ماله، وهو حاصل فيما لو حج الوارث أو أحج عنه ليرجع دون ما إذا أنفق لا ليرجع فيهما. واستشكل ذلك في الشرنبلالية أيضا والتفرقة بأنه في الإحجاج قام الوارث مقام الميت في دفع المال، فكأن المأمور أنفق من مال الميت بخلاف ما إذا حج الوارث بنفسه فإنه لم يحصل منه دفع المال، بل ما حصل منه إلا مجرد الأفعال، فلم يجز ما لم ينو الرجوع في ماله، غير ظاهر لأن حجه بنفسه لا بد له من النفقة أيضا فافهم. قوله ومن حج) أي أهل بحج لأنه يصير مخالفا بمجرد الإهلال بلا توقف على الأعمال أفاده ح. قلت: أي في صورة المتن وإلا فقد لا يصير مخالفا إلا بالشروع كما سيظهر لك (قوله عن آمريه) أي ولو كانا أبويه أو أجنبيين كما صرح به في الفتح، فقوله في البحر شمل الأبوين وسيأتي أن إخراجهما فيه نظر لأن الآتي في الإحرام عنهما بغير أمرهما، والكلام هنا في الإحرام عن الآمرين فافهم (قوله وقع عنه) أي عن المأمور نفلا، ولا يجزئه عن حجة الإسلام بحر ونهر، وفيه نظر يأتي قريبا (قوله لأنه خالفهما) علة لوقوعه عنه وللضمان: أي لأن كل واحد إنما أمره أن يخلص النفقة له، وقد صرفها لحج نفسه لأنه لا يمكنه إيقاعه عن أحدهما لعدم الأولوية (قوله وينبغي صحة التعيين لو أطلق) أي كما لو قال لبيك بحجة وسكت. قال الزيلعي: وإن أطلق، بأن سكت عن ذكر المحجوج عنه معينا ومبهما، قال في الكافي لا نص فيه، وينبغي أن يصح التعيين هنا إجماعا لعدم المخالفة. ا هـ. وقوله: وينبغي أن يصح التعيين أي تعيين أحد آمريه قبل الطواف والوقوف كما في مسألة الإبهام، وقوله إجماعا. قال شيخنا ينبغي أن يجري فيه خلاف أبي يوسف الآتي في مسألة الإبهام لجريان علته الآتية هنا أيضا. ا هـ. ح (قوله ولو أبهمه) بأن قال لبيك بحجة عن أحد آمري ح (قوله قبل الطواف) المراد به طواف القدوم كما قال أبو حنيفة، فما لو جمع بين إحرامين لحجتين ثم شرع في طواف القدوم ارتفضت إحداهما فإن قلت: ذكر الوقوف مستدرك. قلت: يمكن أن لا يطوف للقدوم فيكون الوقوف حينئذ هو المعتبر. ا هـ. ح (قوله جاز) أي عندهما. وقال أبو يوسف: بل وقع ذلك عن نفسه بلا توقف وضمن نفقتهما وهو القياس لأن كل واحد منهما أمره بتعيين الحج له فإذا لم يعين فقد خالف، وجه قولهما وهو الاستحسان: أن هذا إبهام في الإحرام والإحرام ليس بمقصود وإنما هو وسيلة إلى الأفعال، والمبهم يصلح وسيلة بواسطة التعيين فاكتفي به شرطا ح عن الزيلعي. قلت: والحاصل أن صور الإبهام أربعة: أن يهل بحجة عنهما وهي مسألة المتن، أو عن أحدهما على الإبهام، أو يهل بحجة ويطلق، والرابعة أن يحرم عن أحدهما معينا بلا تعيين لما أحرم به من حج أو عمرة، ولم يذكر الشارح الرابعة لجوازها بلا خلاف كما في الفتح. وقد ذكر في الفتح أن مبنى الجواب في هذه الصور على أنه إذا وقع عن نفس المأمور لا يتحول بعد ذلك إلى الآمر وأنه بعد ما صرف نفقة الآمر إلى نفسه ذاهبا إلى الوجه الذي أخذ النفقة له لا ينصرف الإحرام إلى نفسه إلا إذا تحققت المخالفة أو عجز شرعا عن التعيين. ففي الصورة الأولى من الصور الأربع تحققت المخالفة والعجز عن التعيين، ولا ترد مسألة الأبوين الآتية؛ لأنها بدون الأمر كما يأتي، فلا تتحقق المخالفة في ترك التعيين، ويمكنه التعيين في الانتهاء لأن حقيقته جعل الثواب ولذا لو أمره أبواه بالحج كان الحكم كما في الأجنبيين. وفي الصورة الثانية من الأربع لم تتحقق المخالفة بمجرد الإحرام قبل الشروع في الأعمال، ولا يمكن صرف الحجة لأنه أخرجها عن نفسه بجعلها لأحد الآمرين فلا تنصرف إليه إلا إذا وجد تحقق المخالفة أو العجز عن التعيين ولم يتحقق ذلك لأنه يمكنه التعيين إلا إذا شرع في الأعمال ولو شوطا لأن الأعمال لا تقع لغير معين فتقع عنه ثم لا يمكنه تحويلها إلى غيره، وإنما له تحويل الثواب فقط، ولولا النص لم يتحول الثواب أيضا. وفي الصورة الثالثة لا خفاء أنه ليس فيها مخالفة لأحد الآمرين ولا تعذر التعيين ولا تقع عن نفسه لما قدمناه. وأما الرابعة فأظهر الكل. ا هـ. ما في الفتح ملخصا. وأنت خبير بأن ما قرره في الصورة الثانية صريح في أنه إذا شرع في الأعمال قبل تعيين أحد الآمرين وقعت الحجة عن نفسه لتحقق المخالفة والعجز عن التعيين، وكذا تقع عن نفسه بالأولى في الصورة الأولى. والظاهر أنها تجزيه عن حجة الإسلام لأنها تصح بالتعيين وبالإطلاق، بخلاف ما لو نوى بها النفل والمأمور وإن كان صرفها عن نفسه بجعلها للآمرين أو لأحدهما، لكن لما تحققت المخالفة بطل ذلك الصرف وإلا لم تقع عن نفسه أصلا فيكون حينئذ؛ كما لو أحرم عن نفسه ابتداء ولم ينو النفل فتقع عن حجة، الإسلام، ولذا قال في الفتح أيضا فيما لو أمره بالحج فقرن معه عمرة لنفسه لا يجوز ويضمن اتفاقا. ثم قال: ولا تقع عن حجة الإسلام عن نفسه لأن أقل ما تقع بإطلاق النية وهو قد صرفها عنه في النية وفيه نظر. ا هـ. كلامه. والظاهر أن وجه النظر ما قررناه من أنه حيث تحققت المخالفة ووقعت عن نفسه بطل صرف النية فتجزيه عن حجة الإسلام، فقوله في البحر فيما مر تقع عن المأمور نفلا ولا تجزيه عن حجة الإسلام فيه نظر، وقد صرح الباقاني في شرح الملتقى، وتبعه الشارح في شرحه عليه أيضا بأنه يخرج بها عن حجة الإسلام، فهذا ما تحرر لي فافهم والسلام. (قوله بخلاف ما لو أهل إلخ) مرتبط بقوله ومن حج عن آمريه، وقوله جاز جملة مستأنفة لبيان جهة المخالفة بين المسألتين، فإنه في الأولى لا يجوز والثانية بخلافها، لكن الجواز هنا مشروط بما إذا لم يأمراه بالحج، وقوله عن أبويه أو غيرهما تنبيه على أن ذكر الأبوين في الكنز وغيره ليس بقيد احترازي وإنما فائدته الإشارة إلى أن الولد يندب له ذلك جدا كما في النهر، وبه علم أن التقييد بالأبوين في هذه المسألة لا يدل على أن المراد بالآمرين في التي قبلها الأجنبيان، بل الأبوان إذا أمراه فحكمهما كالأجنبيين كما قدمناه عن الفتح فظهر أنه لا فرق بين الأبوين والأجنبيين في المسألتين وإنما العبرة للآمر وعدمه أي صريحا كما يظهر قريبا، فإذا أحرم بحجة عن اثنين أمره كل منهما بأن يحج عنه وقع عنه ولا يقدر على جعله لأحدهما، وإن أحرم عنهما بغير أمرهما صح جعله لأحدهما أو لكل منهما، وكذا لو أحرم عن أحدهما مبهما صح تعيينه بعد ذلك بالأولى كما في الفتح. قال: ومبناه على أن نيته لهما تلغو لعدم الأمر فهو متبرع فتقع الأعمال عنه ألبتة، وإنما يجعل لهما الثواب وترتبه بعد الأداء فتلغو نيته قبله، فيصح جعله بعد ذلك لأحدهما أو لهما. ولا إشكال في ذلك إذا كان متنفلا عنهما، فإن كان على أحدهما حج الفرض وأوصى به لا يسقط عنه بتبرع الوارث عنه بمال نفسه، وإن لم يوص به فتبرع الوارث عنه بالإحجاج أو الحج بنفسه، قال أبو حنيفة يجزيه إن شاء الله تعالى: {لقوله صلى الله عليه وسلم للخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين» الحديث انتهى. وبهذا ظهر فائدة أخرى للتقييد بالأبوين في هذه المسألة وهي سقوط الفرض عن الذي عينه له بعد الإبهام لو بدون وصية، لكن يشكل عليه أنه إذا لغت نيته لهما لعدم الأمر ووقعت الأعمال عنه ألبتة كيف يصح تحويلها إلى أحدهما؟ وقد مر أن الحج إذا وقع عن المأمور لا يمكن تحويله بعد ذلك إلى الآمر، نعم يمكن تحويل الثواب فقط للنص كما مر، وهذا والله أعلم. قال في الفتح ولا إشكال في ذلك إذا كان متنفلا عنهما: أي لأن غاية حال المتنفل أن يجعل ثواب عمله لغيره، وهو صحيح. أما وقوع عمله عن فرض الغير بغير أمره فهو مشكل والجواب ما مر في كلام الشارح من أن الوارث إذا حج أو أحج عن مورثه جاز لوجود الأمر دلالة: أي فكأنه مأمور من جهته بذلك، وعليه فتقع الأعمال عن الميت لا عن العامل، فقوله في الفتح ومبناه على أن نيته لهما تلغو إلخ مخصوص بما إذا لم يكن عليهما فرض لم يوصيا به وقدمنا عن البدائع تعليله بالنص أيضا وهو ما علمته من حديث الخثعمية وبهذا فارق الوارث الأجنبي لكن قدمنا عن شرح اللباب عن الكرماني والسروجي أن الأجنبي كذلك، نعم هذا مخالف لاشتراط الأمر في الحج عن الغير والأجنبي غير مأمور لا صريحا ولا دلالة، وقدمنا الجواب بأنه مبني على اختلاف الرواية في هذا الشرط والمشهور اشتراطه، وحيث علم وجوده في الوارث دلالة ظهر لاقتصار الكنز وغيره على الأبوين فائدة ثالثة، وهي أن الأمر دلالة ليس له حكم الأمر حقيقة من كل وجه، لما علمت من أن الأبوين لو أمراه حقيقة لم يصح تعيين أحدهما بعد الإبهام كما في الأجنبيين، وإن لم يأمراه صريحا صح التعيين. ولو فرضوا المسألة ابتداء في الأجنبيين لتوهم أن الأبوين لا يصح تعيين أحدهما لوجود الأمر دلالة ففرضوها في الأبوين لإفادة صحة التعيين وإن وجد الأمر دلالة وليفيدوا أن المراد بالأمر في المسألة الأولى الأمر صريحا، والله أعلم. [تنبيه]
الذي تحصل لنا من مجموع ما قررناه أن من أهل بحجة عن شخصين، فإن أمراه بالحج وقع حجه عن نفسه ألبتة، وإن عين أحدهما بعد ذلك. وله بعد الفراغ جعل ثوابه لهما أو لأحدهما، وإن لم يأمراه فكذلك إلا إذا كان وارثا وكان على الميت حج الفرض ولم يوص به فيقع عن الميت عن حجة الإسلام للأمر دلالة وللنص، بخلاف ما إذا أوصى به لأن غرضه ثواب الإنفاق من ماله، فلا يصح تبرع الوارث عنه، وبخلاف الأجنبي مطلقا لعدم الأمر (قوله لأنه متبرع بالثواب) بيان لوجه صحة التعيين في مسألة الأبوين دون مسألة الآمر، وهو معنى ما قدمناه من قوله في الفتح: ومبناه على أن نيته لهما تلغو لعدم الأمر فهو متبرع إلخ. قال في الشرنبلالية قلت: وتعليل المسألة يفيد وقوع الحج عن الفاعل، فيسقط به الفرض عنه وإن جعل ثوابه لغيره، ويفيد ذلك الأحاديث التي رواها في الفتح بقوله اعلم أن فعل الولد ذلك مندوب إليه جدا. لما أخرج الدارقطني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عنه صلى الله عليه وسلم: «لمن حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرما بعث يوم القيامة مع الأبرار» وأخرج أيضا عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من حج عن أبيه وأمه فقد قضى عنه حجته وكان له فضل عشر حجج» وأخرج أيضا عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حج الرجل عن والديه تقبل منه ومنهما واستبشرت أرواحهما وكتب عند الله برا». ا هـ. أقول: قد علمت مما قررناه أنه إذا حج الوارث عنهما وعلى أحدهما فرض لم يوص به يقع عن الميت لسقوط الفرض عنه بذلك إن شاء الله تعالى. وحينئذ فكيف يصح دعوى سقوط الفرض به عن الفاعل أيضا وقد صرفه إلى غيره وأجزنا صرفه، نعم يظهر ذلك فيما إذا كان على أحدهما فرض أوصى به أو لم يكن عليه فرض أصلا، ويدل على ذلك قوله في الفتح: وإنما يجعل لهما الثواب وترتبه بعد الأداء، ومثله قول قاضي خان في شرح الجامع: وإنما يجعل ثواب فعله لهما. وهو جائز عندنا وجعل ثواب حجه لغيره لا يكون إلا بعد أداء الحج، فبطلت نيته في الإحرام، فكان له أن يجعل الثواب لأيهما شاء ا هـ. فهذا صريح في أن النية لم تقع لهما وأن الأعمال وقعت له فله جعل ثوابها لمن شاء بعد الأداء، فيمكن ادعاء سقوط الفرض عن الفاعل بذلك كما حررناه في مسألة الحج عن الآمرين، وبه يعلم جواز جعل الإنسان ثواب فرضه لغيره كما ذكرناه أول الباب. وأما إذا كان على الميت فرض لم يوص به وسقط به فرض الميت يلزم منه وقوع النية والأعمال له لا للفاعل إلا أن يقال إن الأعمال تقع للعامل هنا أيضا كما هو مقتضى إطلاق عبارة الفتح وقاضي خان وغيرهما، ولكن يسقط بها الفرض عن الميت فضلا من الله تعالى عملا بالنص، وهو حديث الخثعمية وإن خالف القياس، ولذا علقه أبو حنيفة بالمشيئة، ويسقط بها الفرض عن الفاعل أيضا أخذا من الأحاديث المذكورة ولذا كان الوارث مخالفا لحكم الأجنبي في ذلك. فإن قلت: ما مر من تعليل جواز حج الوارث بوجود الأمر دلالة يقتضي وقوع الأعمال عن الميت لأنه لو أمره صريحا وقعت عنه بلا شبهة، فيخالف ما اقتضاه إطلاق الفتح وغيره. وحينئذ فلا يمكن سقوط فرض العامل بذلك أيضا. قلت: قد علمت أن الأمر دلالة ليس كالأمر صريحا من كل وجه، ولذا صح تعيين أحد أبويه بعد الإبهام، ولو أمره صريحا لم يصح كالأجنبيين كما قدمنا؛ فلو اقتضى الأمر دلالة وقوع الأعمال عن الميت لم يصح التعيين فقلنا بوقوع الأعمال للعامل، فيسقط فرضه بها، وكذا يسقط فرض الأب أو الأم عملا بالأحاديث المذكورة، والله أعلم. هذا غاية ما وصل إليه فهمي القاصر في تحرير هذه المواضع المشكلة التي لم أر من أوضحها هذا الإيضاح ولله الحمد (قوله وفي الحديث) كلامه يوهم أن هذا حديث واحد مع أنه مأخوذ من حديثين كما علمت مع تغيير بعض اللفظ بناء على الصحيح من جواز رواية الحديث بالمعنى للعارف ا هـ. ح (قوله لا غير) أي لا غير دم الإحصار من باقي الدماء الثلاثة، وهو دم الشكر في القران والتمتع ودم الجناية (قوله على الآمر) هذا عندهما وعليه المتون، وعند أبي يوسف على المأمور (قوله قيل من الثلث) لأن الوصية بالحج تنفذ من الثلث، وهذا من توابع الوصية وقيل من الكل لأنه دين وجب حقا للمأمور على الميت فيقضى من جميع ماله كما لو أوصى بأن يباع عبده ويتصدق بثمنه فباعه الوصي وضاع الثمن من يده ثم استحق العبد فإن المشتري يرجع بالثمن على الوصي ويرجع الوصي في قول أبي حنيفة الأخير في جميع التركة من شرح الجامع لقاضي خان، واستوجبه ط الأول والرحمتي الثاني (قوله ثم إن فاته إلخ) أي فات المأمور المعلوم من المقام، وأطلق الفوات فشمل ما يكون بسبب الإحصار وغيره فإن الإحصار يمكن أن يكون بتقصير منه كأن تناول دواء ممرضا قصدا حتى أحصره أفاده ح. هذا، وقد صرحوا بأن عليه الحج من قابل بمال نفسه كفائت الحج كما في البحر. ثم قال: ولم يصرحوا بأنه في الإحصار والفوات إذا قضى الحج هل يكون عن الآمر أو يقع للمأمور، وإذا كان للآمر فهل يجبر على الحج من قابل بمال نفسه. ا هـ. أقول: قال في البدائع: فإن فاته الحج يصنع ما يصنعه فائت الحج بعد شروعه، ولا يضمن النفقة لأنه فاته بغير صنعه، وعليه في نفسه الحج من قابل لأن الحجة قد وجبت عليه بالشروع فلزمه قضاؤها، وهذا على قول محمد ظاهر لأن الحج عنده يقع عن الحاج ا هـ. ونقله في النهر عن السراج. ثم قال: وعلى قول غير محمد من أنه يقع عن الآمر ينبغي أن يكون القضاء عن الآمر وتلزمه النفقة ا هـ. ويؤيده أنه صرح في اللباب بأنه إن فاته بآفة سماوية لم يضمن ويستأنف الحج عن الميت: أي بناء على قول غير محمد. فعلم أن على قول محمد عليه الحج عن نفسه، وعلى قول غيره عن الميت. وظاهره أنه يجب عليه من ماله لكن في التتارخانية عن المنتقى قال محمد: يحج عن الميت من بلده إذا بلغت النفقة وإلا فمن حيث تبلغ، وعلى المحرم قضاء الحج الذي فات عن نفسه، ولا ضمان عليه فيما أنفق ولا نفقه له بعد الفوت. ا هـ. فإن مقتضاه أن الحج عن الميت من ماله وعلى المأمور حج آخر قضاء لما شرع فيه من مال نفسه. ويخالفه ما في التتارخانية أيضا عن التهذيب. قال أبو يوسف: إذا فسد حجه قبل الوقوف عليه ضمان النفقة، وعليه الحج الذي أفسده وعمرة وحجة للآمر؛ ولو فاته الحج لا يضمن لأنه أمين، وعليه قضاء الفائت وحج عن الآمر. ا هـ. فإنه قوله وعليه قضاء الفائت إلخ يقتضي أن عليه الحجتين من ماله إلا أن يكون قوله وحج عن الآمر بضم أوله مبنيا للمفعول أي وعلى الورثة الإحجاج من ماله. ثم إن الظاهر أن هذا من مقول أبي يوسف، فينافي ما مر عن النهر فليتأمل وسيأتي بقية الكلام عليه (قوله والجناية) أطلقه فشمل دم الجماع ودم جزاء الصيد والحلق ولبس المخيط والطيب والمجاوزة بغير إحرام بحر (قوله على الحاج) أي المأمور. أما الأول فلأنه وجب شكرا على الجمع بين النسكين وحقيقة الفعل منه وإن كان الحج يقع عن الآمر لأنه وقوع شرعي لا حقيقي. وأما الثاني فباعتبار أنه تعلق بجنايته، أفاده في البحر (قوله فيصير مخالفا) هذا قول أبي حنيفة. ووجهه أنه لم يأت بالمأمور به لأنه أمره بسفر يصرفه إلى الحج لا غير، فقد خالف أمر الآمر فضمن بدائع. زاد في المحيط لأن العمرة لا تقع عن الآمر لأنه ما أمره بها فصار كأنه حج عنه واعتمر لنفسه فيصير مخالفا؟ ولو أمره بالحج فاعتمر ثم حج من مكة فهو مخالف لأنه مأمور بحج ميقاتي، ولو أمره بالعمرة فاعتمر ثم حج عن نفسه لم يكن مخالفا، بخلاف ما إذا حج أولا ثم اعتمر ا هـ. وانظر ما قدمناه قبل باب الإحرام (قوله وضمن النفقة إلخ) أما الدم فهو على المأمور على كل حال بحر (قوله فيعيد بمال نفسه) لأنه إذا أفسده لم يقع مأمورا به فكان واقعا عن المأمور فيضمن ما أنفق في حجه من مال غيره، ثم إذا قضى الحج في السنة القابلة على وجه الصحة لا يسقط الحج عن الميت لأنه لما خالف في السنة الماضية بالإفساد صار الإحرام واقعا عنه فكذا الحج المؤدى به صار واقعا عنه ابن كمال وعليه حجة أخرى للآمر كما قدمناه آنفا عن التتارخانية عن التهذيب أي سوى حج القضاء، وهو الأصح كما في المعراج، وبه اندفع ما في البحر من قوله وإذا فسد حجه لزمه الحج من قابل بمال نفسه، وفيه ما تقدم من التردد في وقوعه عن الآمر. ا هـ. (قوله وإن مات إلخ) الأنسب ذكر هذه المسألة عند قوله المار خرج المكلف إلخ (قوله قبل وقوفه) قيد به لأنه لو مات بعده قبل الطواف جاز عن الآمر لأنه أدى الركن الأعظم خانية وفتح، وقدمنا نحوه عن التجنيس، فما بحثه في البحر من أن أعظميته للأمن من الإفساد بعده لا لأنه يكفي فيجب على الآمر الإحجاج ا هـ. مخالف للمنقول؛ وأما لو بقي حيا وأتم الحج إلا طواف الزيارة فرجع ولم يطفه فقال في الفتح: لا يضمن النفقة غير أنه حرام على النساء ويعود بنفقة نفسه ليقضي ما بقي عليه لأنه جان في هذه الصورة ا هـ. (قوله من منزل آمره) أي إن لم يعين منزلا وإلا اتبع كما مر (قوله فإن مات) أي المأمور الثاني (قوله من ثلث الباقي بعدها) أي بعد النفقة أي ثلث الباقي بعد هلاكها وهو المراد بقولهم بثلث ما بقي من المال فافهم، وهذا عند الإمام، وعند أبي يوسف بالباقي من الثلث وعند محمد بما بقي مع المأمور. مثاله: أوصى بأن يحج عنه ومات عن أربعة آلاف فدفع الوصي للمأمور ألفا فسرقت، فعند الإمام يؤخذ ما يكفي من ثلث ما بقي من التركة وهو ألف، فإن سرقت يؤخذ من ثلث الألفين الباقيين، وهكذا إلى أن لا يبقى ما ثلثه يكفي الحج. وعند أبي يوسف إذا سرق الألف الأول لم يبق من ثلث التركة إلا ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فتدفع له إن كفت، ولا تؤخذ مرة أخرى. وعند محمد إن فضل من الألف الأولى ما يبلغ الحج حج به وإلا فلا، هكذا ذكر الخلاف عامة المشايخ. وبعضهم قالوا: هذا إن أوصى بأن يحج عنه من الثلث أو بأن يحج عنه ولم يزد، أما لو أوصى بأن يحج عنه بثلث ماله فقول محمد كقول أبي يوسف، وتمامه في جامع قاضي خان والفتح، وهذا الاختلاف إذا هلك في يد المأمور، فلو في يد الوصي بعدما قاسم الورثة يحج عنه بثلث ما بقي اتفاقا كما في التتارخانية. (قوله وظاهره أنه لا رجوع في تركة المأمور) إن كان المراد أنه لا رجوع لورثة الآمر في تركة المأمور بما بقي معه فهذا بعيد جدا لأن ما بقي مع المأمور لا يملكه، بل لو أتم الحج يجب عليه رد الفاضل كما يأتي، فيصدق على هذا الباقي أنه من مال الآمر فيحسب من الثلث، وقد صرح به القهستاني حيث قال بثلث الباقي مما في أيدي الورثة، والمأمور وإن كان المراد أنه لا رجوع لهم بما أنفقه قبل موته أو بما سرق منه فهو لا شبهة فيه حيث لم يخالف كما مر فيما لو فاته الحج بغير صنعه وإن كان المراد أنه لا رجوع في تركته بما يدفع للمأمور الثاني، فهذا هو المتبادر من قولهم بثلث ما بقي من ماله أي مال الآمر والظاهر أن هذا مراد الشارح نبه به على أنه لو فاته الحج بلا صنعه ولزمه القضاء يكون عن نفسه اتفاقا خلافا لما قدمناه من أن هذا ظاهر على قول محمد وأنه على قول غيره يكون القضاء عن الآمر وتلزم المأمور نفقته، فإن مقتضاه أن المأمور إذا مات في الطريق ترجع ورثة الآمر على تركته بنفقة الذي يأمرونه بالحج عن مورثهم، وهذا خلاف ما قرره الفقهاء هنا في المسألة الخلافية، حيث جعلوا الإحجاج ثانيا بثلث ما بقي من جميع مال الآمر أو الباقي من الثلث أو بالباقي مع المأمور، ولم يقل أحد إنه يكون من مال المأمور، فينافي ما تقدم بحثا عن البدائع والسراج والنهر، فلله در هذا الشارح ما أبعد مرماه فافهم (قوله خلافا لهما) أي في الموضعين فيما يدفع ثانيا، وفي المحل الذي يجب الإحجاج منه ثانيا فتح (قوله وقولهما استحسان) يعني قولهما في المحل، أما فيما يدفع ثانيا فلم يذكروا فيه الاستحسان. وفي الفتح: قول الإمام في الأول: أي فيما يدفع ثانيا أوجه وقولهما هنا أوجه، وقدمنا ما يفيد ترجيحه أيضا عن العناية والمعراج، لكن قدمنا أيضا أن المتون على قول الإمام ونقل تصحيحه العلامة قاسم (قوله كما مر) أي في قوله وإلا فيصير مخالفا فيضمن ح (قوله لا للتقييد) لأن الحج لا يختلف باختلاف السنين، ففي أي سنة حصل فيها وقع عنه، ولا يخفى أن الأولى إيقاعه في السنة المعينة خوفا من ذهاب النفقة أو تعطل الحج ط (قوله والأفضل أن يعود إليه) أي إلى منزل الآمر المذكور في المتن. قال في البحر: ولو أحج رجلا فحج ثم أقام بمكة جاز لأن الفرض صار مؤدى والأفضل أن يحج ثم يعود إلى أهله ا هـ. فافهم (قوله وعليه رد ما فضل من النفقة) قال في البحر: فالحاصل أن المأمور لا يكون مالكا لما أخذه من النفقة، بل يتصرف فيه على ملك الآمر حيا كان أو ميتا معينا كان القدر أو لا، ولا يحل له الفضل إلا بالشرط الآتي سواء كان الفضل كثيرا أو يسيرا كيسير من الزاد كما صرح به في الظهيرية ا هـ. قلت: وهذا مما يدل على أن الاستئجار على الحج لا يصح عند المتأخرين كما قدمنا الكلام عليه فافهم (قوله إلا أن يوكله إلخ) قال في الفتح: وإذا أراد أن يكون ما فضل للمأمور يقول له وكلتك أن تهب الفضل من نفسك وتقبضه لنفسك، فإن كان على موت قال والباقي مني لك وصية. ا هـ. زاد في اللباب: وإن لم يعين الآمر رجلا يقول للوصي أعط ما بقي من النفقة من شئت، وإن أطلق فقال وما يبقى من النفقة فهو للمأمور فالوصية باطلة. ا هـ. أي لأنها لمجهول (قوله ولوارثه إلخ) هذه المسألة تقدمت عند قوله إن وفى به ثلثه، لكن ذكرت في كل من الموضعين مع زيادة، لم توجد في الآخر ففي الأول زاد الوصي، والتفصيل في نفقة الرجوع وفي هذا زاد قوله كذا إن أحرم إلخ وكان عليه أن ينظمهما في سلك واحد ح (قوله وكذا إن أحرم وقد دفع إليه ليحج عنه وصيه إلخ) هذا التركيب فاسد المعنى. ووجد في نسخة ليحج عنه بلا وصية وهي الصواب لأن المراد أن المحجوج عنه إذا لم يوص بالحج ولكنه دفع إلى رجل ليحج عنه ثم مات الدافع فللورثة استرداد المال الباقي من الرجل، وإن أحرم بالحج. قال في النهر: وقيدنا بكون الآمر أوصى بالحج عنه لما في المحيط: لو دفع إلى رجل مالا ليحج به عنه فأهل بحجة ثم مات الآمر فلورثته أن يأخذوا ما بقي من المال معه ويضمنونه ما أنفق بعد موته لأن نفقة الحج كنفقة ذوي الأرحام تبطل بالموت ا هـ. (قوله وللوصي أن يحج إلخ) قال في فتح القدير: ولا يجوز الاستئجار على الطاعات، وعن هذا قلنا لو أوصى أن يحج عنه ولم يزد على ذلك كان للوصي أن يحج عنه بنفسه إلا أن يكون وارثا، أو دفعه لوارث ليحج فإنه لا يجوز إلا أن تجيز الورثة وهم كبار، لأن هذا كالتبرع بالمال فلا يصح للوارث إلا بإجازة الباقين؛ ولو قال الميت للوصي ادفع المال لمن يحج عني لم يجز له أن يحج بنفسه مطلقا. ا هـ. (قوله ولو قال منعت) أي عن الحج وكذبوه أي الورثة لم يصدق ويضمن ما أنفقه من مال الميت إلا أن يكون أمرا ظاهرا يشهد على صدقه. لأن سبب الضمان قد ظهر فلا يصدق في دفعه إلا بظاهر يدل على صدقه فتح (قوله صدق بيمينه) لأنه يدعي الخروج عن عهدة ما هو أمانة في يده فتح (قوله إلا إلخ) أي فإنه لا يصدق إلا ببينة لأنه يدعي قضاء الدين هكذا في كثير من الكتب وعليه المعول خلافا لما في خزانة الأكمل بحر (قوله وقد أمر بالإنفاق) أي مما عليه من الدين ط (قوله ولا تقبل إلخ) لأنها شهادة على النفي بحر: أي لأن مقصودهم نفي حجه وإن كانت صورة شهادتهم إثباتا ح (قوله إلا إذا برهنا إلخ) لأن إقراره وهو تلفظه بهذه الجملة إثبات ح، وفي بعض النسخ برهنوا بصيغة الجمع: أي الورثة، وهي أولى. [تتمة] في المحيط عن المنتقي: أوصى لرجل بألف وللمساكين بألف ولحجة الإسلام بألف والثلث ألفان يقسم الثلث بينهم أثلاثا ثم تضاف حصة المساكين إلى الحجة، فما فضل عن الحجة فللمساكين لأن البداءة بالفرض أهم؛ ولو عليه حجة وزكاة وأوصى لإنسان يتحاصون في الثلث ثم ينظر إلى الزكاة والحج فيبدأ بما بدأ به الموصي؛ ولو فريضة ونذر بدئ بالفريضة، ولو تطوع ونذر بدئ بالنذر، ولو كلها تطوعات أو فرائض أو واجبات بدئ بما بدأ به الميت. ا هـ. وتوضيح هذه المسألة سيأتي في الوصايا فاحفظها فإنها مهمة كثيرة الوقوع، وبقي فروع كثيرة من هذا الباب تعلم من الفتح واللباب، والله أعلم بالصواب.
|